## رسائل أوليفر ساكس: نافذة على عبقرية حساسة
يُقدّم كتاب
"أوليفر ساكس: رسائل"، الذي حرّرته كيت إدغار، رحلة آسرة عبر حياة
وذهنية أحد أبرز علماء الأعصاب في القرن العشرين، أوليفر ساكس. وليس هذا الكتاب مجرد مجموعة مراسلات، بل هو
شهادة مُؤثّرة على رحلة إنسانية غنية، تكشف عن جوانب خفية من شخصية العالم الشهير.
## رسائل أوليفر ساكس: نافذة على عبقرية حساسة |
وتُضيف
بُعداً جديداً لإرثه العلمي والأدبي الغني.
يُغطّي الكتاب فترة زمنية واسعة تمتد من عام 1960 وحتى وفاة ساكس عام 2015،
مُقدّماً لنا صورة مُتكاملة عن تطور شخصيته وأفكاره خلال هذه السنوات.
بداية الكتاب
يُستهلّ الكتاب بنفحة من الحميمية، إذ نجد أنفسنا أمام مراسلات ساكس مع والديه، إلسي وصامويل، مُكشّفة عن علاقة عائلية عميقة، رغم المسافات الجغرافية والفروقات الثقافية. تُظهر هذه الرسائل حساسية ساكس العميقة، واهتمامه الدقيق بتفاصيل حياة والديه، بالإضافة إلى رغبته في مشاركتهم تفاصيل رحلاته وتجاربه. ففي رسالة مؤثّرة يعود تاريخها إلى عام 1962.
- يُفصّل ساكس أوضاع الحياة الصعبة
- التي واجهها في المكسيك، مُصوّراً ببراعة المشهد الاجتماعي والاقتصادي القاتم.
- لا يكتفي بذكر الفقر، بل يُضيف لمسة من الواقعية القاسية بتفاصيل مُحزنة
- كوصفٍ لجثة ملقاة في الشارع، ربما ضحية للجوع
- مُبيّناً لامبالاة المجتمع تجاه معاناة الفقراء.
- هذه التفاصيل ليست مجرد وصف
- بل هي شهادة على يقظة ساكس الإنسانية
ووعيه العميق بالظلم الاجتماعي.
ويضم أيضا الكتاب
وليس حصرُ
الكتاب على الحياة العائلية، بل يتجاوزها ليشمل جوانب مُتعدّدة من حياة ساكس،
بدءاً من كفاحه لإيجاد مكانته في عالم الطب وعالمه الشخصي كمثلي الجنس في زمن لم
يكن التسامح فيه أمراً مُسلّماً به. تُظهر
الرسائل الصعوبات التي واجهها، وقدرته على
التغلّب على التحدّيات من خلال الإصرار والمثابرة. لا يُخفي ساكس في كتاباته معاناته، بل
يُواجِهها بصدقٍ وشفافية، مُقدّماً لنا نموذجاً يحتذى به في مواجهة التمييز والظلم.
- كما يضم الكتاب مراسلات مُثيرة للاهتمام
- مع شخصيات أدبية وعلمية بارزة، أمثال دبليو. إتش. أودن، وهارولد بينتر، وسوزان سونتاغ.
- هذه الرسائل تكشف عن حوارات فكرية عميقة
- وتُلقي الضوء على علاقات ساكس مع هؤلاء الشخصيات،
- بالإضافة إلى آرائه حول قضايا أدبية وعلمية مُتعدّدة.
- فنجد أنفسنا مُشاركين في حوارات مُثيرة
- نتعرف من خلالها على آراء ساكس المُتميّزة، ونرى تأثّره
بالكتاب والأفكار التي تُحيط به.
جوانب مهمة من الكتاب
يُبرز الكتاب أيضاً جوانب من حياة ساكس المهنية، لا سيّما من خلال مراسلاته حول كتابه الشهير "صحوات". فنجد رسائل مُبادلة مع روبن ويليامز، الذي قام بدور البطولة في الفيلم المُقتبس عن الكتاب، ومع المخرج بيتر وير.
- هذه الرسائل تُظهر التعاون الوثيق بين ساكس
- والفريق الفني للفيلم، بالإضافة إلى مُقارنة مُفصّلة
- بين شخصية ويليامز النابضة بالحياة، وشخصية روبرت دي نيرو
- في الفيلم التي وصفها ساكس بأنها "خجولة إلى حد المرض".
- هذه المقارنة ليست مجرد تحليل تمثيلّي
- بل هي انعكاس لفهم ساكس العميق للطبيعة
البشرية، وقدرته على فهم النقاط الدقيقة في الشخصية.
يعتبر الكتاب مرجع مهم
يُشكّل كتاب
"أوليفر ساكس: رسائل" مرجعاً قيّماً ليس فقط لعشّاق أعمال ساكس، بل لكل
مَن يهتمّ بفهم شخصية عالم ذي بصيرة ثاقبة، وقدرة فائقة على ربط عالم العلوم بعالم
الإبداع الأدبي. فلسان حال ساكس في رسائله
يُشبه لسان حال أعماله، مُفعم بالحساسية
والعمق، مُخلّص في نقل الحقائق، وواضح في توصيل أفكاره. لا يقتصر الكتاب على تقديم معلومات بيوغرافية
جافة، بل يُقدّم لنا صورة مُتكاملة عن
شخصية ساكس المُعقّدة، ورحلته المُلهمة.
- أكثر ما يُميز هذا الكتاب هو أسلوب ساكس البسيط والواضح
- والذي يُعكس في رسائله بوضوح.
- رغم تعقيد الأفكار التي يتناولها
- إلا أنّه يُعبّر عنها بلغة سلسة وواضحة
- تُسهّل على القارئ فهمها واستيعابها.
- هذه السهولة في الأسلوب لا تُقلّل من قيمة
الرسائل، بل تزيد من قوّتها وتأثيرها.
بإضافة إلى
قيمته الأدبية والعلمية، يُضيف الكتاب بُعداً إنسانياً مُهمّاً لفهم أعمال ساكس. فمن خلال رسائله، نرى العقل العبقري خلف الكتب
الشهيرة، نرى الإنسان الحساس خلف العالم الباحث.
هذه الصورة المُتكاملة تُثري فهمنا لأعماله، وتُعزّز تقديرنا لجهوده
وإنجازاته.
الختام
يُعدّ "أوليفر ساكس: رسائل" كتاباً مُهمّاً يُضيف بُعداً جديداً لإرث
أوليفر ساكس الغني. فهو ليس مجرد مجموعة
مراسلات، بل هو نافذة تُطلّ على عبقرية حساسة،
وتُعرّفنا على عالم من الإبداع العلمي والأدبي، مُسلّطاً الضوء على رحلة إنسانية استثنائية. كتابٌ يُنصح بقراءته لكل من يبحث عن الإلهام،
ويرغب في فهم حياة عالم أثر بشكل عميق في
فهمنا للدماغ البشري والعقل الإنساني.
صدر الكتاب قى السابع من نوفمبر 2024
سعر الكتاب: 25 جنيهاً استرلينياً